-1-
الإمام ناصر محمد اليماني
ــــــــــــــــــ
من الإمام المهديّ إلى أحبتي الأنصار السّابقين الأخيار..
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على النبيّ الأميّ الأمين رحمةً للعالمين محمد رسول الله وعلى آله الأطهار والسابقين الأنصار في الأوّلين وفي الآخرين وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين، أحبتي الأنصار السّابقين الأخيار سلام الله عليكم ورحمته وبركاته السّلام علينا وعلى عباد الله الصالحين وسلامٌ على المُرسلين، والحمد ُلله ربّ العالمين..
وما يُريدُ الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني أن يذكّر به أنصاره المُكرمين هو أن لا تنسوا الهدف الذي تُناضلون من أجله، وهو أنّكم تريدون أن تُحققوا السّعادة في نفس الله وتذهبوا الحسرة من نفسه على عباده الذين ظلموا أنفسهم؛ وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون، ولكنهم لم يهونوا على ربّهم الرحمن الرحيم، فقد وجدتم أنّه آسفٌ علي عباده الذين ظلموا أنفسهم، والبُرهان على أسف الله عليهم تجدونه في قول الله تعالى:
{ فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمنْا مِنْهُمْ } صدق الله العظيم [الزخرف:55]
وكذلك فرحة الله كُبرى فهي على قدر حُزنه على عباده الذين ظلموا أنفسهم وكذلك فرحته بتوبة عبده كما تعلمون في فتوى محمد رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلم- قال: [ لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاةٍ فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فيئس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد يئس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثمّ قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربّك. أخطأ من شدة الفرح ] صدق عليه الصلاة والسلام وآله الأطهار
أحبتي في الله تصوّروا مدى الحُزن على وجه ذلك الرجل الذي لو أفلتت منه راحلته وهو في صحراء قاحلة، ثمّ وقع ما عليها على الرمال وهربت منه، ومن ثمّ ظلّ يجري وراءها ولكن دون جدوى لم يلحقٌّ بها، فمسّه اللغوب والتّعب والعطش وهو يجري وراءها، ومن ثمّ استيأس منها، ومن ثمّ اضطجع تحت ظلّ شجرة ينتظر الموت إلاّ أن ينظر الله في أمره، ثمّ نام قليلاً ومن ثمّ أفاق من نومه فإذا هي قائمة عنده وزمامها مُعلقٌ على مقربة من وجهه، ومن ثمّ أمسك بزمامها، ومن ثمّ قال من شدة الفرح: "اللهم أنت عبدي وأنا ربّك" . سُبحانه! بل أخطأ بغير قصد من شدة الفرح، فتصوّروا الحُزن الذي كان على وجه ذلك الرجل ولذلك كانت الفرحة عظيمة بعد أن أمسك بزمام ناقته، ولكن الله هو أشدُّ حزناً على عبده من حُزن ذلك الرجل وهو أشدّ فرحاً بتوبة عبده من فرح ذلك الرجل.
إذاً يا قوم فبئس الجنّة التي سوف تشغلنا عن تحقيق الفرح والسعادة في نفس الله.
وربّما يودّ أحد أحباب الله أن يقاطع الإمام المهديّ بعجلٍ شديدٍ فيقول: "يا إمامي دُلّني كيف أُساعد في تحقيق السّعادة في نفس الله وأُذهب حُزن ربّي من نفسه" . ومن ثمّ يفتيه الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني بالحقّ وأقول: فلتجعل هُدى عبيد الله هو هدفك السّامي في هذه الحياة فلا تُبدل تبديلاً مهما لاقيت من الأذى ومهما لاقيت من التكذيب، فادعُ إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة، واصبر على أذى عباد الله، ولا تعجل عليهم فتدعو عليهم فيجيبك الله. تصديقاً لقول الله تعالى: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي } صدق الله العظيم [البقرة:186]
وإذا فعلتَ ودعوت عليهم أن يهلكهم الله بعذابٍ من عنده فأنت تعتبر فشلتَ في تحقيق هدفك السّامي العظيم وجلبت إلى نفس ربّك الحُزن والأسف على عباده الذين كذّبوا بالحقّ من ربّهم وظلموا أنفسهم، وما من أمّة دعوا عليهم رُسلُ ربّهم أو الصالحون من أتباعهم ثمّ أهلكهم الله تصديقاً لوعده لرسله والذين آمنوا إلا وتحسّر عليهم من بعد أن يجيب دعوة الداعي. تصديقاً لقول الله تعالى: { إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ﴿٢٩﴾ يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴿٣٠﴾ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴿٣١﴾ وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴿٣٢﴾ } صدق الله العظيم [يس]
ويا أنصار المهديّ المنتظر، لقد جعلكم الله رحمةً للعالمين فإن كنتم أنصار المهديّ المنتظر فاعلموا أن الإمام المهديّ لا ينام و في قلبه مثقال ذرة على أحدٍ من المُسلمين، ولا أنام إلا وقد عفوت عمن ظلمني أو أساء إليّ في هذه الحياة من المُسلمين أو الكافرين الذين لا يعلمون، فاصبروا على تحقيق هذا الهدف العظيم مهما وجدتم من الأذى من المُسلمين والكافرين، فاصبروا واغفروا لهم إساءتهم إليكم فإن ذلك لمن عزم الأمور. تصديقاً لقول الله تعالى:
{ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } صدق الله العظيم [الشورى:43]
ويا أحبتي الأنصار السّابقين الأخيار فهل تعلمون لماذا اتّخذ الله إبراهيم خليلاً؟ وذلك بسبب قوله عليه الصلاة والسلام وآله الأطهار؛ قال الله تعالى:
{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴿٣٥﴾ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿٣٦﴾ } صدق الله العظيم [إبراهيم]
فانظروا إلى قول إبراهيم الحليم: {فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، فلم تجدونه يقول: "اللهم فأهلكه وأصبه بعذاب من عندك أو بأيدينا"؛ بل قال إبراهيم الحليم: {فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، وهل تدرون لماذا؟ وذلك لأنّ لرسول الله إبراهيم هدفٌ عظيمٌ يريدُ أن يهدي الأمّة رحمةً بهم وحسرةً عليهم، ولكنّه دعى على القوم من نبيّ الله لوط -عليه الصلاة والسلام- فمرّ رُسل البلاغ بالتدمير على رسول الله إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- لكي يُخبروه في طريقهم أنّ الله سوف يهب له غلاماً عليماً حتى إذا سألهم عن أخبارهم. قال تعالى: { وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (53) قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالحقّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (55) قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (5 ) قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58) إِلَّا آَلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60) } صدق الله العظيم [الحجر]
ولكن خليل الله إبراهيم لا يزال مُصراً على تحقيق هدفه السّامي العظيم في هدي الأمّة وإنقاذهم من عذاب الله، ولذلك تجدونه يجادل رسل ربّ العالمين في قوم لوطٍ وطلب من الملائكة - رُسل الرحمن المبلغين بالتدمير - مهلةً من الوقت، ويريد أن ينقذهم أجمعين فيدعوهم الليل والنّهار حتى يهتدوا. قال الله تعالى:
{ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَىٰ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ ﴿٧٤﴾ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ ﴿٧٥﴾ } صدق الله العظيم [هود]
فانظروا أحبتي الأنصار إلى ثناء الله على نبيّه إبراهيم عليه الصلاة والسلام. قال تعالى: {يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ ﴿٧٤﴾ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ ﴿٧٥﴾} صدق الله العظيم، ولكن رُسل ربّ العالمين من الملائكة المُكرمين قالوا:
{ يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ ربّك وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ } صدق الله العظيم [هود:76]
ولذلك اتّخذ الله إبراهيم خليلاً بسبب حلمه على عباده. قال الله تعالى: { وَاتّخذ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا } صدق الله العظيم [النساء:125]
بسبب قوله في الدُعاء إلى ربّه: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴿٣٥﴾ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿٣٦﴾ } صدق الله العظيم [إبراهيم]
ولكن خليل الله إبراهيم لم يُكتب له الله تحقيق هدفه العظيم فيهدي الله به الأمّة جميعاً فيجعلهم أمّةً واحدةً على صراطٍ مستقيمٍ جميعاً كونه ليس بأرحم من الله على عباده؛ بل حسرة الله على عباده هي أعظمُ من حسرة خليل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وأعظمُ من حسرة خاتم الأنبياء والمُرسلين صلّى الله عليه وعلى آله وسلم، وأمّا الإمام المهديّ فلا يكاد أن يذهبُ نفسه حسرات على العباد شيئاً لكوني نظرت إلى مدى عظيم حسرة جدّي محمد رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلم- على عباد الله لدرجة أنه كاد أن يذهب نفسه حسراتٍ عليهم. لذلك قال الله تعالى:
{ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } صدق الله العظيم [فاطر:8]
بل أسف محمد رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلم - كان على العباد أسفاً عظيماً في قلبه. ولذلك قال الله تعالى:
{ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا } صدق الله العظيم [الكهف:6]
ومن ثمّ تفكّر المهديّ المنتظر وقال: إذا كان هذا حال قلبُ عبدٍ رؤوفٍ رحيمٍ بالعباد فكيف حال الله أرحم الراحمين؟! وهذا كان مُجرد تفكير منطقي ليس إلا بادئ الأمر، فقلت: إذاً لا بدّ أن الله هو أعظمُ حسرة وأسفاً على عباده من خليل الله إبراهيم ومن محمد رسول الله - صلّى الله عليه وعلى آله وسلم -
لكون الرحمة في نفس الله لهي أشدُّ رحمة بفارقٍ عظيمٍ، فقلت إذاً فلا بُدّ أنّ الله هو أعظمُ حسرة وأسفاً على عباده فذلك ما يقوله العقل والمنطق لكون الله هو أرحم الراحمين.
ولكن الظنّ لا يغني من الحقّ شيئاً، ومن ثمّ أراني الله الحقّ في محكم كتابه أنّه دائمُ الحسرة على عباده منذ أن أرسل أوّل رسول إلى عباده من الجنّ والإنس فكذبوا رُسل ربّهم فدعى عليهم الرسل، فاستجاب الله لهم فأهلك عدوهم، ومن ثمّ تحسر على عباده من ذلك الحين منذ الأزل القديم لعصر الجنّ والإنس، فإذاً الفتوى عن تحسر الله على عباده الكافرين قد جعله الله في أشد آيات الكتاب إحكاماً وبياناً: { إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ﴿٢٩﴾ يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴿٣٠﴾ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴿٣١﴾ وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴿٣٢﴾ } صدق الله العظيم [يس]
ومن ثمّ أطرقتُ ملياً وانفجرت باكياً بين يدي الله بكاءً مريراً وقلت: يارب، لمَ خلقتني يا إلهي؟ فهل لكي آكل الأعناب والفواكه وأستمتع بالحور العين وأشرب من نهر العسل المُصفى والخمر واللبن وأسكن في القصور الفاخرات في جنّات النّعيم؟ فهل هذا هو الهدف من خلقنا حتى نتخذ رضوانك وسيلة لتحقيق ذلك؟ هيهات هيهات وتالله ما هذا بإنصاف الربّ حقّه، فكيف يكون الحبيب سعيداً مالم يكن أحبّ شيء إلى نفسه سعيداً وفرحاً مسروراً! فكيف نكون سُعداء في جنّة النّعيم وحبيبنا الله أرحم الراحمين حزين ومُتحسر على عباده؛ بل منذ آلاف السّنين وهو حزين ومُتحسر على عباده، وهذه فتوى الله عن حسرته على عباده من الجنّ والإنس منذ الأزل القديم: { إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ﴿٢٩﴾ يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴿٣٠﴾ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴿٣١﴾ وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴿٣٢﴾ } صدق الله العظيم [يس]
فوالله الذي لا إله غيره وكأنّي أرى دموع أحباب الله تسيل على خدودهم فحرّموا الجنّة على أنفسهم حتى يحقق الله لهم النّعيم الأعظم منها فيكون الله سعيداً فرحاً مسروراً بتوبة عباده أجمعين، ثم يجعلوا هدفهم في هذه الحياة هو أن يجعلوا النّاس أمّةً واحدةً على صراطٍ مستقيمٍ حتى يتحقق رضوان الله في نفسه لكونهم لا يتخذون رضوان الله وسيلة لتحقيق الجنّة؛ بل اتّخذوا رضوان الله غاية، ولن يرضوا إلا بتحقيق غايتهم. أولئك من أكرم أحباب الرحمن في محكم القرآن، ألا والله الذي لا إله غيره إنكم لتجدونهم يرفضون سلعة ربّهم المعروضة عليهم في قول الله تعالى: { إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجنّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التّوراة وَالإِنجِيلِ وَالْقرآن وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } صدق الله العظيم [التوبة:111]
فانظروا لقول الله تعالى: { فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ }
ويقصد فأبشروا بالجنّة، وأوفاهم بالثمن فور استشهادهم في سبيل الله، ولذلك تجدونهم رضوا بها وفرحوا بها كونهم اتّخذوا رضوان الله وسيلةً لتحقيق ذلك، وذلك مبلغهم من العلم. قال الله تعالى: { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بل أَحْيَاءٌ عِنْدَ ربّهم يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) } صدق الله العظيم [آل عمران]
ولكن من هم أشدُّ حُباً لله في الكتاب في عصر بعث المهديّ المنتظر لن يرضوا بذلك أبداً حتى يُحقق الله لهم النّعيم الأعظم من جنّة النّعيم، وسوف يجاهدون في سبيل الله بالدّعوة إليه على بصيرةٍ من ربّهم ولن تجدوا البيع والشراء بينهم وبين ربّهم، فهل يكون بيعٌ وشراءٌ بين الحبيب وحبيبه؟! بل الحُب أكبر في قلوبهم لربّهم أولئك هم أنصار المهديّ المنتظر في الكتاب الذي وعد الله بهم في محكم كتابه في قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } صدق الله العظيم [المائدة:54]
أولئك هم من أعظمُ درجات أحباب الربّ من بين العبيد، وهم أشدُّ حباً لله، ولذلك لن يرضيهم ربّهم بنعيم جنّته ويقولون لربّهم: "وكيف يسعدُ الحبيب وحبيبه ليس بسعيدٍ ومُتحسرٌ في نفسه؟! بل نُريدُ تحقيق النّعيم الأعظم من جنّتك يا أرحم الراحمين".
وعلى ذلك تستمر حياتهم وعلى ذلك يموتون وعلى ذلك يبعثون، ولن ترضى أنفسهم أبداً أبداً حتى يحقق الله لهم النّعيم الأعظم من ملكوت الدُنيا والآخرة فيرضى في نفسه ثمّ يإذن الله لعباده الذين تحسّر عليهم من قبل أن يدخلوا جنّته حين يذهب الفزع عن قلوب الأمم بالمفاجأة الكُبرى حين يسمعوا ربّهم قد أذن لهم أن يدخلوا جنته، فيتفاجأ الأمم جميعاً ويقولوا لأحباب الرحمن في محكم القرآن:
{ قَالُوا مَاذَا قَالَ ربّكم قَالُوا الحقّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ } صدق الله العظيم [سبأ:23]
وهُنا تحقق النّعيم الأعظم، وسلامٌ على المُرسلين، والحمدُ لله ربّ العالمين..
أخو البشر في الدّم من حواء وآدم عبد النّعيم الأعظم الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني.
ـــــــــــــــــــــــ
Read more: http://www.mahdi-alumma.com/showthread.php?2362-من-الإمام-المهديّ-إلى-أحبتي-الأنصار-السّابقين-الأخيار#ixzz3FVyGMEkM
الإمام ناصر محمد اليماني
ــــــــــــــــــ
من الإمام المهديّ إلى أحبتي الأنصار السّابقين الأخيار..
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على النبيّ الأميّ الأمين رحمةً للعالمين محمد رسول الله وعلى آله الأطهار والسابقين الأنصار في الأوّلين وفي الآخرين وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين، أحبتي الأنصار السّابقين الأخيار سلام الله عليكم ورحمته وبركاته السّلام علينا وعلى عباد الله الصالحين وسلامٌ على المُرسلين، والحمد ُلله ربّ العالمين..
وما يُريدُ الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني أن يذكّر به أنصاره المُكرمين هو أن لا تنسوا الهدف الذي تُناضلون من أجله، وهو أنّكم تريدون أن تُحققوا السّعادة في نفس الله وتذهبوا الحسرة من نفسه على عباده الذين ظلموا أنفسهم؛ وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون، ولكنهم لم يهونوا على ربّهم الرحمن الرحيم، فقد وجدتم أنّه آسفٌ علي عباده الذين ظلموا أنفسهم، والبُرهان على أسف الله عليهم تجدونه في قول الله تعالى:
{ فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمنْا مِنْهُمْ } صدق الله العظيم [الزخرف:55]
وكذلك فرحة الله كُبرى فهي على قدر حُزنه على عباده الذين ظلموا أنفسهم وكذلك فرحته بتوبة عبده كما تعلمون في فتوى محمد رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلم- قال: [ لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاةٍ فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فيئس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد يئس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثمّ قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربّك. أخطأ من شدة الفرح ] صدق عليه الصلاة والسلام وآله الأطهار
أحبتي في الله تصوّروا مدى الحُزن على وجه ذلك الرجل الذي لو أفلتت منه راحلته وهو في صحراء قاحلة، ثمّ وقع ما عليها على الرمال وهربت منه، ومن ثمّ ظلّ يجري وراءها ولكن دون جدوى لم يلحقٌّ بها، فمسّه اللغوب والتّعب والعطش وهو يجري وراءها، ومن ثمّ استيأس منها، ومن ثمّ اضطجع تحت ظلّ شجرة ينتظر الموت إلاّ أن ينظر الله في أمره، ثمّ نام قليلاً ومن ثمّ أفاق من نومه فإذا هي قائمة عنده وزمامها مُعلقٌ على مقربة من وجهه، ومن ثمّ أمسك بزمامها، ومن ثمّ قال من شدة الفرح: "اللهم أنت عبدي وأنا ربّك" . سُبحانه! بل أخطأ بغير قصد من شدة الفرح، فتصوّروا الحُزن الذي كان على وجه ذلك الرجل ولذلك كانت الفرحة عظيمة بعد أن أمسك بزمام ناقته، ولكن الله هو أشدُّ حزناً على عبده من حُزن ذلك الرجل وهو أشدّ فرحاً بتوبة عبده من فرح ذلك الرجل.
إذاً يا قوم فبئس الجنّة التي سوف تشغلنا عن تحقيق الفرح والسعادة في نفس الله.
وربّما يودّ أحد أحباب الله أن يقاطع الإمام المهديّ بعجلٍ شديدٍ فيقول: "يا إمامي دُلّني كيف أُساعد في تحقيق السّعادة في نفس الله وأُذهب حُزن ربّي من نفسه" . ومن ثمّ يفتيه الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني بالحقّ وأقول: فلتجعل هُدى عبيد الله هو هدفك السّامي في هذه الحياة فلا تُبدل تبديلاً مهما لاقيت من الأذى ومهما لاقيت من التكذيب، فادعُ إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة، واصبر على أذى عباد الله، ولا تعجل عليهم فتدعو عليهم فيجيبك الله. تصديقاً لقول الله تعالى: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي } صدق الله العظيم [البقرة:186]
وإذا فعلتَ ودعوت عليهم أن يهلكهم الله بعذابٍ من عنده فأنت تعتبر فشلتَ في تحقيق هدفك السّامي العظيم وجلبت إلى نفس ربّك الحُزن والأسف على عباده الذين كذّبوا بالحقّ من ربّهم وظلموا أنفسهم، وما من أمّة دعوا عليهم رُسلُ ربّهم أو الصالحون من أتباعهم ثمّ أهلكهم الله تصديقاً لوعده لرسله والذين آمنوا إلا وتحسّر عليهم من بعد أن يجيب دعوة الداعي. تصديقاً لقول الله تعالى: { إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ﴿٢٩﴾ يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴿٣٠﴾ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴿٣١﴾ وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴿٣٢﴾ } صدق الله العظيم [يس]
ويا أنصار المهديّ المنتظر، لقد جعلكم الله رحمةً للعالمين فإن كنتم أنصار المهديّ المنتظر فاعلموا أن الإمام المهديّ لا ينام و في قلبه مثقال ذرة على أحدٍ من المُسلمين، ولا أنام إلا وقد عفوت عمن ظلمني أو أساء إليّ في هذه الحياة من المُسلمين أو الكافرين الذين لا يعلمون، فاصبروا على تحقيق هذا الهدف العظيم مهما وجدتم من الأذى من المُسلمين والكافرين، فاصبروا واغفروا لهم إساءتهم إليكم فإن ذلك لمن عزم الأمور. تصديقاً لقول الله تعالى:
{ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } صدق الله العظيم [الشورى:43]
ويا أحبتي الأنصار السّابقين الأخيار فهل تعلمون لماذا اتّخذ الله إبراهيم خليلاً؟ وذلك بسبب قوله عليه الصلاة والسلام وآله الأطهار؛ قال الله تعالى:
{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴿٣٥﴾ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿٣٦﴾ } صدق الله العظيم [إبراهيم]
فانظروا إلى قول إبراهيم الحليم: {فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، فلم تجدونه يقول: "اللهم فأهلكه وأصبه بعذاب من عندك أو بأيدينا"؛ بل قال إبراهيم الحليم: {فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، وهل تدرون لماذا؟ وذلك لأنّ لرسول الله إبراهيم هدفٌ عظيمٌ يريدُ أن يهدي الأمّة رحمةً بهم وحسرةً عليهم، ولكنّه دعى على القوم من نبيّ الله لوط -عليه الصلاة والسلام- فمرّ رُسل البلاغ بالتدمير على رسول الله إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- لكي يُخبروه في طريقهم أنّ الله سوف يهب له غلاماً عليماً حتى إذا سألهم عن أخبارهم. قال تعالى: { وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (53) قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالحقّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (55) قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (5 ) قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58) إِلَّا آَلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60) } صدق الله العظيم [الحجر]
ولكن خليل الله إبراهيم لا يزال مُصراً على تحقيق هدفه السّامي العظيم في هدي الأمّة وإنقاذهم من عذاب الله، ولذلك تجدونه يجادل رسل ربّ العالمين في قوم لوطٍ وطلب من الملائكة - رُسل الرحمن المبلغين بالتدمير - مهلةً من الوقت، ويريد أن ينقذهم أجمعين فيدعوهم الليل والنّهار حتى يهتدوا. قال الله تعالى:
{ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَىٰ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ ﴿٧٤﴾ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ ﴿٧٥﴾ } صدق الله العظيم [هود]
فانظروا أحبتي الأنصار إلى ثناء الله على نبيّه إبراهيم عليه الصلاة والسلام. قال تعالى: {يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ ﴿٧٤﴾ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ ﴿٧٥﴾} صدق الله العظيم، ولكن رُسل ربّ العالمين من الملائكة المُكرمين قالوا:
{ يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ ربّك وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ } صدق الله العظيم [هود:76]
ولذلك اتّخذ الله إبراهيم خليلاً بسبب حلمه على عباده. قال الله تعالى: { وَاتّخذ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا } صدق الله العظيم [النساء:125]
بسبب قوله في الدُعاء إلى ربّه: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴿٣٥﴾ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿٣٦﴾ } صدق الله العظيم [إبراهيم]
ولكن خليل الله إبراهيم لم يُكتب له الله تحقيق هدفه العظيم فيهدي الله به الأمّة جميعاً فيجعلهم أمّةً واحدةً على صراطٍ مستقيمٍ جميعاً كونه ليس بأرحم من الله على عباده؛ بل حسرة الله على عباده هي أعظمُ من حسرة خليل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وأعظمُ من حسرة خاتم الأنبياء والمُرسلين صلّى الله عليه وعلى آله وسلم، وأمّا الإمام المهديّ فلا يكاد أن يذهبُ نفسه حسرات على العباد شيئاً لكوني نظرت إلى مدى عظيم حسرة جدّي محمد رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلم- على عباد الله لدرجة أنه كاد أن يذهب نفسه حسراتٍ عليهم. لذلك قال الله تعالى:
{ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } صدق الله العظيم [فاطر:8]
بل أسف محمد رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلم - كان على العباد أسفاً عظيماً في قلبه. ولذلك قال الله تعالى:
{ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا } صدق الله العظيم [الكهف:6]
ومن ثمّ تفكّر المهديّ المنتظر وقال: إذا كان هذا حال قلبُ عبدٍ رؤوفٍ رحيمٍ بالعباد فكيف حال الله أرحم الراحمين؟! وهذا كان مُجرد تفكير منطقي ليس إلا بادئ الأمر، فقلت: إذاً لا بدّ أن الله هو أعظمُ حسرة وأسفاً على عباده من خليل الله إبراهيم ومن محمد رسول الله - صلّى الله عليه وعلى آله وسلم -
لكون الرحمة في نفس الله لهي أشدُّ رحمة بفارقٍ عظيمٍ، فقلت إذاً فلا بُدّ أنّ الله هو أعظمُ حسرة وأسفاً على عباده فذلك ما يقوله العقل والمنطق لكون الله هو أرحم الراحمين.
ولكن الظنّ لا يغني من الحقّ شيئاً، ومن ثمّ أراني الله الحقّ في محكم كتابه أنّه دائمُ الحسرة على عباده منذ أن أرسل أوّل رسول إلى عباده من الجنّ والإنس فكذبوا رُسل ربّهم فدعى عليهم الرسل، فاستجاب الله لهم فأهلك عدوهم، ومن ثمّ تحسر على عباده من ذلك الحين منذ الأزل القديم لعصر الجنّ والإنس، فإذاً الفتوى عن تحسر الله على عباده الكافرين قد جعله الله في أشد آيات الكتاب إحكاماً وبياناً: { إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ﴿٢٩﴾ يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴿٣٠﴾ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴿٣١﴾ وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴿٣٢﴾ } صدق الله العظيم [يس]
ومن ثمّ أطرقتُ ملياً وانفجرت باكياً بين يدي الله بكاءً مريراً وقلت: يارب، لمَ خلقتني يا إلهي؟ فهل لكي آكل الأعناب والفواكه وأستمتع بالحور العين وأشرب من نهر العسل المُصفى والخمر واللبن وأسكن في القصور الفاخرات في جنّات النّعيم؟ فهل هذا هو الهدف من خلقنا حتى نتخذ رضوانك وسيلة لتحقيق ذلك؟ هيهات هيهات وتالله ما هذا بإنصاف الربّ حقّه، فكيف يكون الحبيب سعيداً مالم يكن أحبّ شيء إلى نفسه سعيداً وفرحاً مسروراً! فكيف نكون سُعداء في جنّة النّعيم وحبيبنا الله أرحم الراحمين حزين ومُتحسر على عباده؛ بل منذ آلاف السّنين وهو حزين ومُتحسر على عباده، وهذه فتوى الله عن حسرته على عباده من الجنّ والإنس منذ الأزل القديم: { إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ﴿٢٩﴾ يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴿٣٠﴾ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴿٣١﴾ وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴿٣٢﴾ } صدق الله العظيم [يس]
فوالله الذي لا إله غيره وكأنّي أرى دموع أحباب الله تسيل على خدودهم فحرّموا الجنّة على أنفسهم حتى يحقق الله لهم النّعيم الأعظم منها فيكون الله سعيداً فرحاً مسروراً بتوبة عباده أجمعين، ثم يجعلوا هدفهم في هذه الحياة هو أن يجعلوا النّاس أمّةً واحدةً على صراطٍ مستقيمٍ حتى يتحقق رضوان الله في نفسه لكونهم لا يتخذون رضوان الله وسيلة لتحقيق الجنّة؛ بل اتّخذوا رضوان الله غاية، ولن يرضوا إلا بتحقيق غايتهم. أولئك من أكرم أحباب الرحمن في محكم القرآن، ألا والله الذي لا إله غيره إنكم لتجدونهم يرفضون سلعة ربّهم المعروضة عليهم في قول الله تعالى: { إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجنّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التّوراة وَالإِنجِيلِ وَالْقرآن وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } صدق الله العظيم [التوبة:111]
فانظروا لقول الله تعالى: { فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ }
ويقصد فأبشروا بالجنّة، وأوفاهم بالثمن فور استشهادهم في سبيل الله، ولذلك تجدونهم رضوا بها وفرحوا بها كونهم اتّخذوا رضوان الله وسيلةً لتحقيق ذلك، وذلك مبلغهم من العلم. قال الله تعالى: { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بل أَحْيَاءٌ عِنْدَ ربّهم يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) } صدق الله العظيم [آل عمران]
ولكن من هم أشدُّ حُباً لله في الكتاب في عصر بعث المهديّ المنتظر لن يرضوا بذلك أبداً حتى يُحقق الله لهم النّعيم الأعظم من جنّة النّعيم، وسوف يجاهدون في سبيل الله بالدّعوة إليه على بصيرةٍ من ربّهم ولن تجدوا البيع والشراء بينهم وبين ربّهم، فهل يكون بيعٌ وشراءٌ بين الحبيب وحبيبه؟! بل الحُب أكبر في قلوبهم لربّهم أولئك هم أنصار المهديّ المنتظر في الكتاب الذي وعد الله بهم في محكم كتابه في قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } صدق الله العظيم [المائدة:54]
أولئك هم من أعظمُ درجات أحباب الربّ من بين العبيد، وهم أشدُّ حباً لله، ولذلك لن يرضيهم ربّهم بنعيم جنّته ويقولون لربّهم: "وكيف يسعدُ الحبيب وحبيبه ليس بسعيدٍ ومُتحسرٌ في نفسه؟! بل نُريدُ تحقيق النّعيم الأعظم من جنّتك يا أرحم الراحمين".
وعلى ذلك تستمر حياتهم وعلى ذلك يموتون وعلى ذلك يبعثون، ولن ترضى أنفسهم أبداً أبداً حتى يحقق الله لهم النّعيم الأعظم من ملكوت الدُنيا والآخرة فيرضى في نفسه ثمّ يإذن الله لعباده الذين تحسّر عليهم من قبل أن يدخلوا جنّته حين يذهب الفزع عن قلوب الأمم بالمفاجأة الكُبرى حين يسمعوا ربّهم قد أذن لهم أن يدخلوا جنته، فيتفاجأ الأمم جميعاً ويقولوا لأحباب الرحمن في محكم القرآن:
{ قَالُوا مَاذَا قَالَ ربّكم قَالُوا الحقّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ } صدق الله العظيم [سبأ:23]
وهُنا تحقق النّعيم الأعظم، وسلامٌ على المُرسلين، والحمدُ لله ربّ العالمين..
أخو البشر في الدّم من حواء وآدم عبد النّعيم الأعظم الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني.
ـــــــــــــــــــــــ
Read more: http://www.mahdi-alumma.com/showthread.php?2362-من-الإمام-المهديّ-إلى-أحبتي-الأنصار-السّابقين-الأخيار#ixzz3FVyGMEkM
الخميس أكتوبر 31, 2024 3:54 pm من طرف ابرار
» نُكتَةٌ مُضحِكَةٌ ولَكِنَّها تشفِي قُلوبَ قَومٍ مُؤمنين ..
الإثنين أكتوبر 21, 2024 10:39 am من طرف ابرار
» تَعزيَةٌ في شَهيد الأُمَّة العربيَّة والإسلاميَّة؛ ضَيْفُ الله الواحِد القَهَّار (يحيى إبراهيم حسن السّنوار) الذي لحِقَ برَكبِ الشُّهداء الأبرار؛ أحياء عند رَبِّهم يُرزَقون ..
الأحد أكتوبر 20, 2024 5:10 pm من طرف ابرار
» إجابة السؤال
الأربعاء أكتوبر 09, 2024 7:58 pm من طرف ابرار
» أمْرٌ عَاجِلٌ إلى جمهوريَّة إيران الإسلاميَّة ..
الإثنين أكتوبر 07, 2024 9:29 pm من طرف ابرار
» تَعزيةٌ لجيشِ المُؤمنينَ لتَحريرِ فِلَسطينَ ولكافّةِ الأمّةِ العَربيّةِ والإسلاميّةِ ..
الأحد سبتمبر 29, 2024 4:07 pm من طرف ابرار
» لا يجوزُ الجمعُ بين بنت أخِ الزوجة وعمتها كون الزوجة عمتها أخت أبيها، ولا بين بنت أخت الزوجة وخالتها أخت أمها، ومُحرَّم ذلك كحُرمةِ الجَمعِ بين الأختين..
السبت سبتمبر 21, 2024 9:48 pm من طرف ابرار
» تَسْجيلُ مُتابعةِ الحَدَثِ الأمنيّ الكَبير لِكَوكبِ الأرضِ في مَنطِقةِ القُطْبِ الجَنوبيّ ..
السبت سبتمبر 21, 2024 9:45 pm من طرف ابرار
» بَيان نَذير كَبير وتَحذير مِن شَرٍّ مُستَطيرٍ لِكافَّة البَشَر في البَوادي والحَضَر؛ قَد أعذر مَن أنذر، فَفِرّوا إلى الله الواحِد القَهَّار بالتَّوبة والإنابة، واصطَلِحوا مع الله قَبْل فَوات الأوان يا معشَر الإنْس والجَان .
الأحد سبتمبر 08, 2024 9:26 pm من طرف ابرار
» تَلبيةُ الإمام المَهديّ ناصِر مُحَمَّد اليمَانيّ لِطَلَب الحِوار مع المُنكِر للقُرآن العَظيم الأستاذ علي البخيتي ..
الثلاثاء سبتمبر 03, 2024 6:52 pm من طرف ابرار